وهل ثمة أمنية تجول في الفكر و نحن في فترة القلق و الاضطراب مما يسود العالم من مخاوف إلا أمنية السلام العالمي؟
ليس هناك كلمة اشد هولا من كلمة الحرب ، فيها تكمن الويلات ، ومن خلال حروفها يطل الدمار. وإني لأتمثل البشرية في أوقات الحروب ، وقد عادت إلى ضراوتها الأولى واستبدت بها جنة الهمجية و التوحش،فأصبحت تموج بين جنوبها روح شريعة الغلبة للأقوى،وإذا القيم الإنسانية تتهاوى،و المثل الكريمة تفقد مالها من عزة و سلطان.
فأما الحرب التي نتوقعها أو نتمثلها مقبلة فإننا لا ندري كيف تكون إذا أتيح لها أن تقع ، ولكننا على أية حال نستطيع أن نتصور ما تمخض عنه العالم الحديث من مكتشفات الذرة و النواة و ما إليها،وقد صار ذلك كله مسخرا لمحق البشرية و إذلالها و النكوص بها على أعقاب السنين إلى ما قبل القيم و المثل و الأخلاق.
فنحن -سكان هذه الأرض الشغوب ، وممثلي تلك المدنية الهوجاء- حراص أشد الحرص على التنادي إلى السلام ، والتداعي إلى نبذ الحروب و العدول عنها أداة لفض المنازعات.
لقد أصبح السلام كلمة الشعوب قاطبة ، يتطارحها الناس كما يتطارحون التحية ، ويتبادلون المصافحة،و ما أحسب أن ثمة كلمة أعذب منها على الشفاه و لا أطيب،فهي أمنية كل قلب إنساني ، وهي رجاء العام الجديد في كل عام.
كلنا نرجو السلام
بيد أن الرجاء المجرد لا يكفي للوصول إلى الهدف ، فالنية الطيبة وحدها لا تملك أن تبني ذلك الصرح المنشود ، صرح المسالمة والإخاء. ولن تقوم لهذا الرجاء قائمة إن لم تدعمه قوة كبيرة تسيطر على سائر القوى . وإن هذه القوة الكبيرة لهي ((الإيمان))، الإيمان بفائدة السلام ، الإيمان بمستقبل السلام.
متى استطعنا أن ننمي هذه القوة في الأفئدة ، أفئدة الأفراد والجماعات ، أفئدة الشعوب والقادة ، كان لنا أن نطمع في حياة سليمة موصولة المدى.
وقوة الإيمان تحتاج في تنميتها في النفوس ، وفي تأصيلها في الأذهان إلى جهد جهيد وليس يجزي فيها مقال كاتب أو صيحة خطيب.
يجب أن يكون الغيمان بالسلام برنامجا تتخذ الوسائل لتطبيقه في مختلف مستويات الشعوب ، وفي شتى مراحل التعليم ، وفي كل مظهر من مظاهر النشاط العقلي والااجتماعي والعملي.
يجب أن يؤمن بنو الإنسان بأن حرية الشعوب وسيادتها حق طبيعي مقدس ، وأن العدوان على هذا الحق ، وفرض سيطرة القوي تمرد على النظام ، وإخلال بالأمن ، وجريمة يوصم صاحبها بأنه قاطع طريق.
في ظل هذا الإيمان تتآخى الشعوب ، وبفضل هذا الإيمان يقوى الوعي بين الناس ضد الإذعان لسيطرة الأجنبي واستغلاله واتخاذه من الأمم المستضعفة مناطق نفوذ.
محمود تيمور . القصة في الأدب العربي وبحوث أخرى . المطبعة النموذجية (1971).ص ص : 141 – 143 . (بتصرف)
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان : يتألف العنوان من أربع كلمات تكون فيما بينها مركبين:
- الأول مركب إضافي (كلنا)
- الثاني مركب إسنادي (نرجو السلام)
ويحمل هذا العنوان دلالة تتمثل في اعتبار السلام أملا (نرجو) ومطلبا مشتركا بين جميع البشر (كلنا)
2- بداية النص : نلاحظ فيها مؤشرات دالة على أن النص يحمل خطابا حواريا (سألني…فبادرت أقول…) ، وعلى الرغم من أن عنوان النص لم يتكرر في بداية النص إلا أن ورود لفظة ((تتمنى)) في هذه البداية يجعلها منسجمة مع العنوان لأن التمني والرجاء لفظتان متقاربتان دلاليا.
3- نهاية النص : في نهاية النص أيضا لم يتكرر العنوان ، وبدل الرجاء والتمني نجد كلمة ((الإيمان)) التي تحمل في مدلولها معنى الرجاء والتمني ولكنه رجاء وتمن قويين هذه المرة ، فكأننا بالكاتب يتدرج من الرجاء إلى التمني ثم إلى الإيمان حيث أصبحت أمنية السلام اعتقادا راسخا ومطلبا ضروريا لايمكن الاستغناء عنه.
4- الصورة المرفقة بالنص: تمثل مشهدا تظهر فيه طفلة جالسة القرفضاء وهي تضم كفيها وتشبكهما بالقرب من فمها بشكل يوحي بالخوف والرجاء في نفس الوقت..ولعله خوف من الجندي الذي تظهر قدمه في واجهة الصورة وهي تمتد باستبداد وقسوة إلى جانب الطفلة لتمثل بذلك مظهرا من مظاهر الحرب التي تتضرر منها الطفولة. أما الطفلة فتمثل مظهر البراءة وتمني السلام.
5- نوعية النص : مقالة تفسيرية / حجاجية ذات بعد إنساني .
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- بادرت : سارعت ، هرعت ،كان لي السبق - تتهاوى : تنهار ، وتسقط - الشغوب : المثيرة للشر والخصومة - محق البشرية : إزالتها ، محوها ، إبطالها
1- الفكرة المحورية :
السلام أمل الشعب ومطلب عالمي لا يتحقق إلا بالإيمان والإرادة القوية
* تحليل النص :
1- الأفكار الأساسية :
أ- تمني الكاتب للسلام العالمي في جوابه عن سؤال السائل الذي سأله عن أمنيته بمناسبة العام الجديد.
ب- وصف الكاتب حالة العالم عند حلول العام الجديد حيث تنتشر الحروب وتغيب القيم الإنسانية والأخلاقية.
ج- إبرازه أن السلام هو أمنية كل الشعوب.
د- تأكيده على أن الرجاء وحده لا يكفي لتحقيق السلام ، بل يجب أن يكون تمني الإنسان للسلام مقرونا بقوة الإيمان.
1- الأفكار الأساسية :
معجم السلم
|
معجم الحرب
|
السلام - الأمن - حياة سليمة - التآخي - الإنسانية - المصافحة - أمنية – رجاء - إيمان… | العدوان – الاضطراب – التوجس – محق البشرية - الإذلال – الدمار – المنازعة – الشغوب – التوحش - الويلات |
* الدلالة : نلاحظ أن الألفاظ الدالة على الحرب أكثر من الألفاظ الدالة على السلم ، ممايد ل على أن الحروب ما تزال منتشرة في انحاء العالم ، على خلاف السلم الذي يظل أمنية بعيدة التحقق على أرض الواقع.
* التركيب والتقويم :
يحمل النص خطابا حجاجيا يدافع من خلاله الكاتب عن فكرة السلام ويرفض فكرة الحرب ، مدعما أطروحته بالحجج والبراهين ، ويمكن توضيح ملامح هذا الخطاب في الجدول التالي :
الفكرة المرفوضة
|
الحجج والبراهين
|
الفكرة المقبولة
|
فكرة الحرب
| - في الحرب رجوع بالإنسانية إلى التوحش الذي يعقبه الدمار وانهيار القيم والمثل الإنسانية. - في السلام نشر للحرية والعدالة والأمن. |
فكرة السلم
|
إرسال تعليق