لقد عاش طوال حياته في فزع دائم وخوف متصل كأنما يطارده شيء مجهول ، فهو لا يعب الشارع قبل أن يلتفت المرات العديدة يمنة ويسرة ، يتوقع في كل لحظة أن تدهمه سيارة فتقضي عليه ، وهو يسير ببطء متمهلا ، لا في جانب الطريق ، ولا في وسطه ، فعلى جانبه بيوت ومساكن ربما سقط من إحداها شيء يقع على رأسه فيهشمه ، وفي وسطه السيارات والعربات التي تنطلق كأنها السهام التي لا تعرف غير هدفها المتجهة إليه في سرعة وجنون.
       لم لا يحاذر ، وهو يرى ويسمع كل ذلك في كل يوم ، والصحف ملأى بأنباء الحوادث ، وألسنة الناس لا تكف عن ترديدها ، وحياته غالية عليه لا يريد أن يفرط في شيء منها ، وسيظل حريصا عليها باذلا قصارى جهده في الاحتفاظ بها؟! والمسألة عنده مسألة عقل ، فمادام يعمل لكل شيء حسابه ، فهو يأمل أن يكون في أمن واطمئنان ولا عليه من هزء الناس به وسخريتهم منه ، فهي حياته لا حياتهم.
        ومنذ اليوم الذي تقرر فيه ركوبه الطائرة ولا حديث له إلا عنها ، ولا سؤال له إلا عن مدى اطمئنانه لها وسيلة لسفره ، أما ليلة السفر ، فقد كان من العبث ما حاولته زوجه من إسباغ الطمأنينة عليه. فهي تذكر له عشرات الألوف من الذين يسافرون في الطائرات ويعودون سالمين ، وهو يذكر لها العشرات من الذين ماتوا احتراقا في الجو ، وراحوا ضحية الطائرة التي عليه أن يمتطيها إذا كان الصباح . ولم يجد مندوحة من الاستسلام إلى قضاء الله فيه ، فأغمض عينيه ونام.
        ويرى في ليله حلما عجيبا لم يسبق له أن ألم به في ليلة من لياليه : ها هو يخرج من باب شقته ، فلا يجد المصعد الكهربائي الذي اعتاد الصعود والنزول فيه ، ولا يجد درجات السلم التي تحل أحيانا محل المصعد إذا تعطل لعطب ما ، وإنما يجد مساحة كبيرة قد بسطت أمام الشقة فيها دوائر قد خطت على أرضها ، وعلى كل منها أرقام وعلامات لا يدري من أمرها شيئا ، ولكنه يقف على واحدة منها فلا يحس بنفسه إلا وقد هبط إلى أسفل في لمح البصر ، وبهت وأصابه ذعر ، وهو لا يدري كيف هبط ولا كيف انتقل ، ويخرج من باب المسكن حائرا مضطربا فلا يجد الشارع على شيء مما عرفه وخبره ، ما هذدا ؟! أين البيوت والمساكن التي ألف رؤيتها ؟! وما هذه المساكن الغريبة التي يراها ؟! ومن أي طراز هي ؟! ومتى بنيت ومتى أقيمت ؟!
       لم يجد لذلك كله جوابا ، وإنما وجد نظرات شزراء تنظر إليه كأنه شيء غريب ، لم يسبق للناس رؤيته ، وتحسس نفسه يريد أن يعرف فيها شيئا من الغرابة ، فلم يجد إلا ما ألفه ، فثيابه هي التي اعتاد لبسها ، وحقيبته التي في يده هي التي يحملها إذا كان على سفر ولا شيء غير ذلك…
* ملاحظة النص واستكشافه :
العتبات
العنوان
بداية النص
نهاية النص
الملاحظات
مركب إسنادي عبارة عن جملة فعلية مسبوقة بأداة نصب ونفي (لن) تدل على رفض السفرنلاحظ فيها بعض مؤشرات النصوص السردية .. ومنها أوصاف إحدى الشخصيات (في فزع دائم – كأنما يطارده شيء مجهول – …) وربما كانت هذه الأوصاف مبررا لرفض السفرنلاحظ فيها تكرار لعنوان النص مرتين مما يؤكد فرضية الإصرار على رفض السفر
- نوعية النص : نص حكائي من الخيال العلمي ينتمي إلى المجال العلمي / الحضاري.

* فهم النص :
الإيضاح اللغوي
الحدث الرئيسي
- من العبث : غير المفيد / عديم الجدوى
- طراز : صنف ، نوع
- تهذي : تتكلم كلاما غير معقول
- أطرق : سكت ، صمت
خوف الرجل من ركوب الطائرة وحلمه الغريب بانتقاله إلى زمن المستقبل.

* تحليل النص :
1- أحداث النص :
أ – رفض السفر بسبب الخوف 
ب- الحلم بالسفر
ج- الاستيقاظ من الحلم والإصرار على رفض السفر
*** ويمكن صياغة أحداث النص بطريقة أكثر تفصيلا على الشكل التالي :
أ – وصف بطل القصة وحالته النفسية المتسمة بالخوف من الموت والحرص على حياته
ب- خوفه من السفر عبر الطائرة رغم محاولة زوجته طمأنته
ج- الحلم بالانتقال إلى زمن المستقبل حيث التطور العلمي الباهر
د- اكتشافه أن التطور العلمي لا يمكن أن يحل مشكلة خوفه من السفر مما دفعه إلى التشبث بموقفه المتمثل في رفض السفر.
2- عناصر النص بوصفه سرديا :
العناصر
قبل الحلم
أثناء الحلم
المكان
الشارع – المصعد – بيوت – مساكن
الشقة – الغرف الزجاجية - المطار
الزمان
الحاضر
المستقبل
الشخصيات
البطل - الزوجة
البطل وصاحبه / المرشد
* التركيب والتقويم :
         يقدم النص صورة شخص مضطرب نفسيا ، خائف من كل أشكال التطور بداية من البنايات وانتهاء بالطائرة التي اضطر إلى ركوبها في سفره ، وفي الليلة التي سبقت موعد سفره نام في شقته وغاب في حلم عجيب حمله إلى زمن المستقبل حيث التقدم العلمي في مختلف المجالات ، وخاصة في مجال المواصلات التي تشكل نقطة ضعفه..غير أن هذا الحلم لم ينفع في علاج مشكلة صاحبنا ولاسيما بعدما علم أن حوادث السير ما تزال مستمرة حتى في زمن المستقبل.. وهكذا استيقظ من حلمه وهو مصر أشد الإصرار على رفض السفر
*** يتضمن النص قيمة علمية تتمثل في عجز التقدم العلمي عن تخليص الإنسان من كل مشاكله ، فمهما بلغ الإنسان من تقدم في المجال العلمي إلا أن مشاكله مازالت مستمرة .

إرسال تعليق

 
Top