عد الإسلام الإنسان قيمة حقيقية ، وركنا في الحياة ، بما أودع الله فيه من القدرة الجسدية والذهنية ، وقابلية التكيف المستمر . ودليل ذلك أنه جعله مكلفا مسؤولا يستطيع من خلال تلك القدرات أن يحقق خلافة الله على هذه الأرض التي خلقت له خلقا فريدا متميزا ، وأودع فيها كل ما يساعده على العيش والحركة والتغيير.
لقد حمل الإنسان هذه الأمانة الكبرى في هذه الأرض ، لا في غيرها ، ولذلك فقد وجب عليه أن يفهم نفسه فهما دقيقا ، وأن يعلم بأن طاقته العقلية الجبارة هي مدار تكليفه.
ونتيجة لذلك فإن عليه أن ينظر إلى ما حوله ليجد آيات الله مبثوثة في كل ناحية ، وقوانينه ظاهرة على مختلف وجوه الحياة والكائنات ، فيتحرك للاستفادة منها ، والكشف عنها ، وتسخيرها لإسعاد نفسه بإنشاء الحضارة ، وبناء الحياة ، ودمج الطاقات المفردة بعضها إلى بعض للقيام بذلك التسخير الضروري.
وبناء على ذلك فإن الإنسان عليه أن يغير ويبدل ويتحرك ويبني ، ولا ينتظر المفاجآت الكونية ، لأنه بطل التغيير والإنتاج المستمر في الحياة.
وبما أن هذه الخلافة في أساسها حركة مستمرة ، ومواجهة لأقدار الحياة ومشاكلها ، فإن القرآن الكريم نبه الإنسان إلى أن السلبية والزهد في الحياة مناقض لتلك الحركة الإنسانية الكونية.
هذا هو جوهر نظرة الإسلام التي لا تتغير ، لقضايا الإنسان الاجتماعية والاقتصادية التي تتغير . إنها نظرة لتجدد الإنسان في كل زاوية من زوايا حياته ، في ظل الرؤية الشاملة لآيات تطوره الكوني . وهي ليست عبودية واستسلاما ، وقدرية واستخذاء ، ولا سكونا وتقليدا ، ولكنها حرية وانطلاق ، والتزام وانعتاق ، وحركة وتغيير . وهي نظرة رسمت طريق الحقوق الإنسانية للإنسان في ذاته ، مستهدفا بالحقوق ، بقدر ما كان ذلك الحق يستهدف قبل الإسلام القبيلة والعائلة والعرق…
د.محسن عبد الحميد.الإسلام والتنمية الاجتماعية.مجلة المناهل.العدد : 27 (السنة العاشرة ، يوليوز 1983). ص ، ص : 270 – 273 . (بتصرف)
* بطاقة التعريف بالكاتب : [محسن عبد الحميد]
مراحل من حياته
|
أعماله ومؤلفاته
|
- ولد في مدينة كركوك - العراق عام 1357هـ - 1937م.
- تخرج في جامعة بغداد - كلية التربية عام 1380هـ - 1959م. - حصل على درجة الماجستير عام 1387هـ - 1967م. ودرجة الدكتوراه عام 1392هـ - 1972م. من جامعة القاهرة. - أستاذ مادة التفسير والعقيدة والفكر الإسلامي الحديث في جامعة بغداد. | - اللغة العربية بين شعوبنا - مع رسول الله - المنهج الشمولي في فهم الإسلام - أسرتك أيها المسلم - حول قضية التراث - الإسلام والتنمية الاجتماعية |
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان : يتكون من ثلاث كلمات تكون فيما بينها مركبا إسناديا
2- بداية النص : تكررت فيها لفظتين من العنوان (الإنسان + الإسلام) بشكل يجسد العلاقة بينهما .. فالإنسان يحتل مرتبة متميزة في الإسلام
3- نهاية النص : تكررت فيها لفظة الحق ومشتقاتها (الحقوق – الحق – ) بشكل يدل على دور الإسلام في إقرار حقوق الإنسان
4- نوعية النص : مقالة تفسيرية ذات بعد إسلامي
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- ركنا: الركن : جانب من الجوانب التي يستند إليها الشيء
- أودع فيها : جعل فيها وديعة أي أمانة
- الزهد : ترك ملذات الدنيا
- جوهر : جوهر الشيء حقيقته وذاته
- انعتاق : تحرر من العبودية
2- الفكرة المحورية :
مكانة الإنسان في الإسلام باعتباره خليفة الله في الأرض ، وما له من حقوق وما عليه من واجبات.
* تحليل النص :
1- الأفكار الأساسية :
أ- قدرات الإنسان العقلية والجسدية أهلته لتحمل مسؤولية الخلافة.
ب- تحمل مسؤولية الخلافة يستوجب العمل والإنتاج والإعمار من أجل تسخير عناصر الكون لصالح الإنسان والابتعاد عن الزهد والسلبية
ج- اعتبار الخلافة تشريفا للإنسان ومنطلقا لحقوقه الأساسية
2- الحقول الدلالية :
الألفاظ والعبارات الدالة على الحقوق | الألفاظ والعبارات الدالة على الواجبات |
- العيش – طاقته العقلية الجبارة – حرية وانطلاق – انعتاق – الحقوق - الحق | مكلفا مسؤولا – خلافة الله في الأرض – وجب عليه أن يفهم نفسه - عليه أن ينظر إلى ما حوله – عليه أن يغير ويبدل ويتحرك ويبني - |
* التركيب والتقويم :
يحتل الإنسان في الإسلام مرتبة متميزة ، فقد حباه الله تعالى بقدرات جسدية وذهنية أهلته لتحمل مسؤولية الخلافة..غير أن تحمل هذه المسؤولية على الوجه الأكمل لا يتم إلا من خلال العمل الجاد والبحث والاكتشاف قصد تسخير مؤهلات الأرض لما فيه خير للبشرية ، وبالمقابل يتوجب عليه الحذر من الزهد والسلبية لأنهما يتنافيان والمسؤولية المنوطة به. ومتى استطاع الإنسان تأدية ما عليه من واجبات في ظل خلافته للأرض ، حق له حينئذ التمتع بحقوقه الأساسية كاملة غير منقوصة.
يتضمن النص قيمة حقوقية تتجلى في حق التكريم الذي خول للإنسان مسؤولية الخلافة ، وحقوقه الأساسية المترتبة عن هذه المسؤولية
إرسال تعليق