قال الله سبحانه وتعالى في سورة القصص :
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ(22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
صدق الله العظيم
* تعريف القرآن الكريم :
القرآن الكريم لغة : من فعل [ قرأ ، يقرأ ، قراءة ، وقرآنا ] الشيء : تلاه
واصطلاحا : هو كلام الله المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، بواسطة جبريل عليه السلام ليكون دستورا للأمة ، وحجة على صدق الرسالة المحمدية ... المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس ، المنقول إلينا بالتواتر ، جيلا عن جيل ، محفوظا من كل تحريف أو تزوير .
* التعريف بسورة القصص :
سورة القصص سورة مكية ، عدد آياتها 88 آية ، وهي السورة الثامنة والعشرون في ترتيب المصحف . سميت “سورة القصص” لأن الله تعالى ذكر فيها قصة موسى عليه السلام مفصلة موضحة من ولادته إلى حين إرساله نبيا .
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- يتكون عنوان النص من ثلاث كلمات تكون فيما بينها مركبا إضافيا (قيم الإسلام) مسبوقا بحرف الجر “من” الدال على التبعيض ، بمعنى : بعض من قيم الإسلام . ويمكن تقدير المبتدأ المحذوف هنا بقولنا : “هذا من قيم الإسلام” ، فيصبح العنوان مركبا إسناديا من مبتدإ وخبر (المبتدأ : هذا – الخبر : من قيم)
2- تشير الآية (22) في بداية النص إلى وجهة مقصودة هي “مدين” في حين تغيب نقطة الانطلاق..فعلام يدل ذلك ؟ لا شك أنك توصلت إلى أن هذا النص هو جزء من قصة موسى عليه السلام..وعليه فإن الجزء الأول من هذه القصة قد حدث في مكان آخر غير “مدين”..وبالإضافة إلى هذا المؤشر المكاني تتضمن الآية (22) مؤشرا زمانيا (لما) ..وهما معا (أي المؤشران المكاني والزماني) من مقومات القصة عامة والقصة القرآنية بشكل خاص.
3- تشترك الآية (22) مع الآية (28) في معنى واحد هو : تفويض الأمر إلى الله تعالى.
* نوعية النص : آيات بينات من الذكر الحكيم تندرج ضمن القصص القرآني.
* فهم النص :
1- شروح وإضاءات :
- تذودان : تحبسان وتمنعان غنمهما عن ورود الماء
- حتى يصدر الرعاء : حتى ينصرف الرعاة ويرجعوا
- الحجج : السنوات ، مفردها : حجة.
2- المضمون العام :
قصة موسى عليه السلام من توجهه الى مدين ومساعدته لامرأتين في سقي غنمهما إلى غاية مكافأته على مروءته وأخلاقه الفاضلة.
* تحليل النص :
1 - أحداث قصة موسى عليه السلام :
* [ من الآية 22 إلى الآية 24 ]
- اتجه موسى عليه السلام إلى مدين ، ولما وصلها وجد امرأتين عاجزتين عن سقي غنمهما فرق لحالهما وسقى لهما.
* [من الآية 25 لإلى الآية 28 ]
- استدعى الأب موسى عليه السلام لمكافأته على صنيعه باستئجاره راعيا لغنمه وتزويجه إحدى ابنتيه.
2- القيم الإسلامية المحمولة في النص :
القيم
|
الآيات التي تناسبها
|
- المروءة | - “فسقى لهما” |
- الاستسلام لله | -“فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير” |
- الحياء والعفة | - “تمشي على استحياء” |
- مبادلة الإحسان بالإحسان | - “إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا” |
- الأمانة والقوة | - “خير من استأجرت القوي الأمين” |
3- شخصيات القصة :
الشخصيات
|
أوصافها
|
- موسى عليه السلام | - متوكل على الله – ذو مروءة – قوي أمين - |
- المرأتان | - راعيتان – عفيفتان - |
- أب المرأتين | - شيخ كبير – مواس لموسى – من الصالحين – مبادل للإحسان بالإحسان. |
* التركيب والتقويم :
وصل موسى إلى مدين ووجد فيها جماعة من الرعاة يسقون غنمهم ، ووجد امرأتين تكفان غنمهما لكي لا يختلط بغنم القوم .
أحس موسى بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة. تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما في شيء.
قالت إحداهما: نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم لنسقي.
سأل موسى: ولماذا لا تسقيان؟
قالت الأخرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم. المفروض أن يرعى الرجال الأغنام. هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة.
سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم؟
فقالت واحدة منهما: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.
فقال موسى: سأسقي لكما.
سار موسى نحو الماء. وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة. وفي رواية أن أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال. فرفع موسى الصخرة وحده. وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها، وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة. وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).
عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ.
سأل الأب: عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت إحداهما: تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
فقال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) ليعطيك (أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).
ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى، ووقفت أمامه وأبلغته رسالة أبيها. فنهض موسى وبصره في الأرض. إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا، وإنما ساعدهما لوجه الله، غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي يوجه قدميه فنهض. سارت البنت أمامه. هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره حياء وقال لها: سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.
وصلا إلى الشيخ. قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب. عمر طويلا بعد موت قومه. وقيل إنه ابن أخي شعيب. وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به. لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.
قدم له الشيخ الطعام وسأله: من أين قدم وإلى أين سيذهب؟ حدثه موسى عن قصته. قال الشيخ: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا. اطمأن موسى ونهض لينصرف.
قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي. وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياء وأدبا.
وعاد الشيخ لموسى وقال له : أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). قال موسى: هذا اتفاق بيني وبينك. والله شاهد على اتفاقنا. سواء قضيت السنوات الثمانية، أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب.
* إن الغاية من القصص القرآنية هي تثبيث فؤاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذ العبرة والموعظة ، و التشبع بمجموعة من القيم الإسلامية كالصبر ، والعفة ، والحياء ، والمروءة ، والتوكل على الله…
إرسال تعليق